جلس رجلان قد ذهب بصرهما على طريق أم جعفر زبيدة العباسية لمعرفتهما بكرمها.
فكان أحدهما يقول : اللهم ارزقني من فضلك.
وكان الآخر يقول : اللهم ارزقني من فضل أم جعفر.
وكانت أم جعفر تعلم ذلك منهما وتسمع،
فكانت ترسل لمن طلب فضل الله درهمين،
ولمن طلب فضلها دجاجة مشوية في جوفها عشرة دنانير.
وكان صاحب الدجاجة يبيع دجاجته لصاحب الدرهمين، بدرهمين كل يوم،
وهو لا يعلم ما في جوفها من دنانير.
وأقام على ذلك عشرة أيام متوالية،
ثم أقبلت أم جعفر عليهما،
وقالت لطالب فضلها: أما أغناك فضلنا ؟
قال: وما هو؟
قالت: مائة دينار في عشرة أيام.
قال: لا، بل الدجاجة كنت أبيعها لصاحبي بدرهمين.
فقالت: هذا طلب من فضلنا فحرمه الله،
وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه.
19-عواطف الناس شحيحة ورحمة الله واسعة..
لا تنتظر أن تتفجر لك من عواطف الناس أنهارا.. كن مع الله ينزل على أرض قلبك من عطفه ورحمته مدرارا..
20-الحكمة..
الحكمة حواليك في كل مكان.. في براءة الطفل.. في رقة النسيم.. في دفء الشمس.. في نور القمر.. في أريج الورود.. في زقزقة العصافير.. في خرير المياه.. في دموع السماء.. فكن تلميذا في مدرسة الحياة..
21- عش لحظتك..
عش كل يوم وكأنه آخر يوم في حياتك..
22- الأبواب المفتوحة..
تأكد أن الله تعالى عندما يغلق بابا أمامك فإنه يفتح لك أبوابا أفضل وأروع وأوسع منه.. وأن الباب الذي تعتقد أنه سد في وجهك لم يعد يخدمك.. بل كان السبب في آلامك ومتاعبك ومحنك.. {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
23- زمن بغير موازين..!!
من الصعب إرضاء كل الناس.. فالخير الذي تفعله اليوم سوف ينسى غدا.. !!
إذا أعطيت الناس أفضل ما لديك.. سيرد عليك بعضهم بأسوأ ما لديهم.. !!
إذا امتلأ وعاءك وأردت أن لا تدع أوعية الآخرين فارغة وتشركهم من وعائك قالوا: هلا ملأ أوعيتنا..!!
...
افعل الخير على كل حال..
أشرك الآخرين في وعائك مهما كانت الظروف والأحوال..
فرضا الله تعالى خير من الدنيا وما فيها ((والله خير وأبقى)).
24-اختبار الرجال..
بتقلب الأحوال تختبر أحوال الرجال..
25-العملة الزائفة..
المتدين الحق هو الإنسان المتحلي بالأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والسجايا الكريمة.. فلا تجد في عبادته تصنعا ولا في معاملته خداعا، ولا في قلبه حقدا أو نفاقا، ولا في أخلاقه تكلفا..
التصنع يبعد الإنسان عن الله تعالى، والخداع يُبعده عن الخالق والخَلق. أما الحقد والكره والنفاق فسبب لذكره باللعنات..
26-الفضيلة .. والغرور..
الفضيلة هي الحالة الروحية التي لا تهتم بجلب احترام الآخرين مع أنها عملت عملا يستحق الاحترام..
أما الغرور فهي الحالة النفسية التي تتوقع احترام الآخرين ومديحهم لعمل لا يستحق الاحترام..
27- إحساس..
ما أجمل إحساس الحب..
29-طريفة..
يقول الله تبارك وتعالى في بداية سورة النحل: ((أتَى أمرُ الله فلا تستعجلوه)) .. ((أتَى..)) فعل ماضٍ ثم يقول: ((لا تستعجلوه)) .. كما لو كان الفعل في المستقبل .. ولا غرابة في ذلك فهو ماضٍ عنده -سبحانه وتعالى- ومستقبل عندنا . ألا يتكلم الله تعالى عن جميع المستقبل على أنه ماضٍ .. !! وعن أحداث الآخرة بأنها ماضٍ .. !! (( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ )) ((وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية))((﴿كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)) وكل هذه من أحداث يوم القيامة، يتكلم عنها الله تبارك وتعالى بصيغة الماضي ..
30- النور الخالد..
سطع على الوجود نور وتنزّل.. فكبر له الكون إجلالا وهلل.. نور الهادي البشير المبجل.. في الثاني عشر من شهر ربيع الأول..صلى الله عليه وسلم..
31- الماء لا يتغير بالمظاهر..
الماء هو الماء سواء أوضعته في إناء من ذهب أم في إناء من فضة أم في إناء من فخار أم في إناء من زجاج.. فالماء يبقى الماء..
32- عكس المعنى..
لولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى..
ولولا وجود الآلام لما تعلمنا معنى الراحة ولما تقدمنا ولما أدكرنا معنى السعادة..
33- الأمل..
هناك أوقات نشعر فيها أنها النهاية ثم نكتشف أنها البداية..
وهناك أبواب نشعر أنها مغلقة ثم نكتشف أنها المدخل الحقيقي..
34- آخر لحظة في عمرك..
تذكر أن تعيش كل لحظة كأنها آخر لحظة في عمرك.. عش بحبك لله تعالى، والتلبس بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبالرفق والرحمة بخلق الله جل وعلا..
35- فلسفة تعدد الزوجات..
لم يجعل الشرع الحنيف من تعدد الزوجات إرضاء الرغبات الشهوانية للرجل وإشباع نزواته، على حساب ضرر المرأة، وتنغيص حياتها بتحريك غيرتها لغير ضرورة وهو ما يعد ضررا في حقها، وهذا ما ينبغي لكل متكلم بلسان الشرع أن يدرك أبعاد المشرع كيلا يتقول على الله تعالى، لكون التقول على الله من أعظم الذنوب إطلاقا.
ولذلك فإن استغل بعض الذكور هذه التوسعة الشرعية ليُشبِعوا أنفسهم لذة ويشبعوا النساء ظُلما فالحَيف منهم لا من الشريعة. التعدد حل لما يمكن أن يلقاه الرجل، أو يعانيه المجتمع من مشكلات: الرجل تقْوَى فيه الحاجة فلا تكفيه امرأة واحدة، أو تمْرَض وهو صحيح، أو تعقُم وهو يطلب الولد. والمجتمع يربو فيه عدد النساء على عدد الرجال، فتجيء شريعة التعدد لتصون حِصّةً منهن عن العنوسة والشارع. تكون شريعة التعدد هي الحل الوحيد إن حصدت الحربُ الرجال كما حدث في الحربين العالميتين في قرن العجائِب والعنف.
فالتعدد حصانة للرجل والمرأة والمجتمع. وبديله الرذيلة في المجتمعات الانحلالية حيث تنطلق الشهوات ما لها من رادع، تُخادِن هي ويعاشر هو ما شاءت الحرية الدوابية من أخلاءَ وخليلات. إن الاختيار هو اختيار بين أقصى ما يمكن من عدل وإنصاف للمرأة وأحطِّ ما يمكن أن تنزل إليه المرأة. إنه اختيار بين الغريزة تَحْكُمُ وبين الفطرة مهَّدَ لها الفاطر سبحانه سبيلا إلى سعادتها الدنيوية والأخروية.
فالأصل واحدة.. والتعدد استثناء لحالات استثنائية..
36- كل شيء بإرادة الله..
رأى إبراهيم بن أدهم رجلاً مهموماً فقال له: أيها الرجل، إني أسألك عن ثلاث.. أتجيبني؟
قال الرجل: نعم.
قال إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟
قال الرجل: لا.
قال إبراهيم: أفينتقص من رزقك شيء قدّره الله لك؟
قال الرجل: لا.
قال إبراهيم: أفينتقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الدنيا؟
قال الرجل: لا.
فقال إبراهيم للرجل: فعلام الهمّ إذن وكل شيء بيد الله تعالى!
37- من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه..
ذكر ابنُ رجب وغيرُه أنَّ رجلاً من العُبَّادِ كان في مكة وانقطعتْ نفقتُه ، وجاع جوعاً شديداً ، وأشرف على الهلاكِ ، وبينما هو يدورُ في أحدِ أزقَّةِ مكة إذ عثر على عِقْدِ ثمينٍ غالٍ نفيسٍ ، فأخذه في كمِّه وذهب إلى الحَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ، قال : فوصفه لي ، فما أخطأ من صفتِه شيئاً ، فدفعتُ له العِقْد على أن يعطيني شيئاً . قال : فأخذ العقد وذهب ، لا يلوي على شيء ، وما سلَّمني درهماً ولا نقيراً ولا قطميراً . قلتُ : اللهمّ إني تركتُ هذا لك ، فعوِّضني خيراًمنه ، ثم ركب جهة البحرِ فذهب بقاربٍ ، فهبَّتْ ريحٌ هوجاءُ ، وتصدَّع هذا القاربُ ، وركب هذا الرجل على خشبةٍ ، وأصبح على سطحِ الماءِ تلعبُ به الريح يمْنَةً ويَسْرَةً ، حتى ألقتْه إلى جزيرةِ ، ونَزلَ بها ، ووجد بها مسجداً وقوماً يصلُّون فصلَّى ، ثم وجد أوراقاً من المصحفِ فأخذ يقرأ ، قال أهل تلك الجزيرةِ : أئنك تقرأ القرآن ؟ قلتُ : نعمْ . قالوا : علِّمْ أبناءنا القرآن . فأخذتُ أعلِّمهم بأجرةٍ ، ثم كتبتُ خطاً ، قالوا : أتعلِّم أبناءنا الخطَّ ؟ قلتُ : نغم . فعلَّمتُهم بأجرةٍ .ثم قالوا : إن هنا بنتاً يتيمةً كانت لرجلٍ منا فيه خيْرٌ وتُوفِّي عنها، هل لك أن تتزوجها؟ قلتُ: لا بأس. قال: فتزوجتُها ، ودخلتُ بها فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها . قلتُ: ما قصةُ هذا العقدِ ؟ فأخبرتِ الخَبَرَ ، وذكرتْ أن أباها أضاعه في مكة ذات يوم، فوجده رجلٌ فسلّمه إليه ، فكانَ أبوها يدعو في سجودِه ، أن يرزق ابنته زوجاً كذلك الرجل . قال : فأنا الرجلُ .
فدخل عليه العِقْدُ بالحلالِ ، لأنه ترك شيئاً للهِ ، فعوَّضه الله خيراً منه ( إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّباً ).
38- قالوا في التعصب الأعمى..
قال شيخ الدعاة محمد الغزالي -رحمه الله-: لقيت متعصبين كثيرين، ودرست عن كثب أحوالهم النفسية والفكرية، فوجدت آفتين تفتكان بهم: الأولى: العجز العلمي، أو قلة المعرفة! هؤلاء يحفظون نصا وينسون آخر، أو يفهمون دلالة للكلام هنا ويجهلون أخرى، وهم يحسبون ما أدركوه الدين كله. ولو أن هؤلاء اكتفوا بمنزلة المتعلم التابع ما عابهم ذلك كثيرا، فليس كل مسلم مطالبا بمعرفة جميع الأقوال الواردة والدلالات المحتملة. المصيبة أن يشتغلوا مفتين أو موجهين وهم بهذا المستوى الهابط!.. والآفة الثانية في التعصب المذهبي: سوء النية، ووجود أمراض نفسية دفينة وراء السلوك الإنساني المعوج، ويغلب أن تكون آفات الظهور والاستعلاء أو رذائل القسوة والتسلط. كنت في مجلس قرآن ختم القارئ فيه التلاوة بقوله صدق الله العظيم. فإذا جالس ينتفض كأنما لسعته عقرب يقول: هذه بدعة... قلت له: لا أبحث معك أنها بدعة أو سنَّة، وإنما أسألك: ما هذا الفزع؟ لكأنما سقط على رأسك حجر، الأمر ما يعالج بهذه العاصفة. إجلس...
هذا الصنف من الناس لم يهذب نفسه بالأخلاق التي بعث صاحب الرسالة ليتمم مكارمها. إن صور العبادة عنده غطاء لقلب غليظ، وغرائز فجة. وهو يجد متعة في قضايا الخلاف ليثور ويفور، وظاهر أمره الغضب للدين، وهو في الحقيقة ينفس عن طبيعة معتلة، وتربية ناقصة أو مفقودة
39- وصية السلف..
كان السلف الصالح من هذه الأمة يتواصون بثلاث وصايا لو وزنت بالذهب لرجحت به:
الأولى: من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس.
الثانية: من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته.
الثالثة: من اهتم بأمر آخرته، كفاه الله أمر دنياه وآخرته.
40- طهارة القلب..
قال الإمام أبو يزيد البسطامي -رحمه الله-: مررت بدير فيه راهبة، فقلت لها: هل هنا مكان طاهر أصلي فيه؟
فقالت: طهر قلبط وصل حيث شئت...
انتهى الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس في صفحة جديدة إن شاء الله تعالى.